نهاية الروم

من طرف shereen الأحد فبراير 01, 2009 2:40 pm

إنتهى المسلمون من حرب فارس و أمر الخليفة ابو بكر خالدا بن الوليد بالتوجه إلى اليرموك لمقابلة أصحابه هناك و ليتجمعوا فى مكان واحد قبل لقاء الروم. و كتب ابو بكر لأبى عبيدة بن الجراح كلاما صريحا قال فيه "سلام الله عليك. أما بعد.. فقد وليت خالدا قتال الروم فى الشام فلا تخالفه و إسمع له و أطع فإنى لم أبعثه عليك إلا تكون عندى خيرا منه و لكننى ظننت أن له فطنة فى الحرب ليست لك.. أراد الله بنا و بك خيرا و السلام" و تعجب النفس من ردة فعل بن الجراح و هو أمين هذه الأمة كما قال رسول الله فخرج إلى جنده قائلا "أبشروا فقد جائكم بن الوليد".. و يالها من بشرى يزفها قائد مثل ابن الجراح و هو يعلم مكانه فى هذه الأمة فلا هو ضجر من أمر الخليفة و لا حقد على صاحبه الأتى ليأخذ الأمر من بين يديه و يصبح هو تابعا له فالكل تحكمه المصلحة العامة و الهدف الأسمى و هو نشر هذا الدين فإن كان الأقدر على الحرب و التبعة أحد غيره فليكن إذن أحد غيره.

و كتب بن الوليد إلى أبى عبيدة لما علم بأمر الخليفة "أتانى كتاب خليفة رسول الله يأمرنى بالسير إلى الشام و بالقيام على جندها و التولى لأمرها.. و الله ما طلبت ذلك قط و لا أردته إذ وليته فأنت على حالك الذى أنت عليه لا نعصيك و لا نخالفك و لا نقطع أمرا دونك فأنت سيد المسلمين لا ننكر فضلك و لا نستغنى عن رأيك"..

و أول شىء بدر فى ذهن خالد بن الوليد عندما أمره الخليفة بالتوجه إلى الشام بأنه عمل من عمال "الأعيسر" كما كان يناديه و يقصد به عمر بن الخطاب.. و نتعجب من تلك العداوة التى خلقها الغلاة من المؤرخين و المستشرقين بين بن الوليد و بن الخطاب على غير بينة و لا تحليل متخذين فى دعواهم حادثتين هذه إحداها و مستشهدين بكلام خالد بن و الحادثة الثانية حادثة عزل خالد من القيادة (و سيأت الكلام عنها لاحقا). أما عن نقل بن الوليد لمحاربة الروم فإنى أعجب من الوهم السخيف الذى يضع فيه بعض المؤرخين أنفسهم فيقولون بأن عمر بن الخطاب إستكثر على خالد أن ينفرد بهزيمة الفرس فطلب من الخليفة نقله لإعانة إخوانه فى الشام على حين أن بن الخطاب أضمر أن يضع خالدا في ميدان له فيه شركاء فلا يظهر له عملا دونهم.. هذا تحليل العميان من المؤرخين لانه لا يستكثر عمر على خالد أن ينفرد بغلبة الفرس ثم يرسله ليغلب الروم بعد تأخر الفتح على أيدى كبار الصحابة!! لأن ذلك مزيد لخالد فى الفخر و البطولات و إنما إختار الخليفة خالدا لأن العراق كانت فى هدأة بعد هزائم الفرس المتلاحقة و كان فى جيش المسلمين هناك من يكفى للمثابرة و المناوشة و لأن خالدا كان أقرب مدد إلى الشام و لم يكن فى الجزيرة العربية بقية من جند يرسلهم الخليفة مددا لجنده فى الشام.

يتبع

من طرف shereen الأحد فبراير 01, 2009 2:56 pm

و شحذ بن الوليد همته و أمر جنده أن يأتوه بدليل خبير فى دروب الصحراء و تعجب قادته فليس فى طريقهم إلى الشام صحراء فلما الدليل؟

كان بين بن الوليد و الشام من خمسمائة إلى ستمائة ميل بحسب الطريق التى يسلكها و هى اربع طرق. منها ما هو سهل موفور الماء و الكلأ و لكنه من أجل هذا موفور السكان و الحرس فهم يعيقون تقدمه دون أن تكون لغلبته عليهم فائدة تذكر فى حربه مع الروم. و منها ما هو قليل الحرس يهربون فور علمهم بمجيئه و موفور الماء و الكلأ و لكنه بعيد يطول السير فيه. و منها ما هو شحيح الماء و الكلأ مخيف غير مطروق أو كما قال الدليل لخالد "ويحك يا بن الوليد.. إنك لن تطيقه بالخيل و الأثقال. و الله إن الراكب المفرد ليخاف على نفسه منها و ما يسلكها إلا مغرور. إنها لخمس ليال جياد (أى شديدة) لا يصاب فيها ماء مع مضلتها".. فأجابه الوليد "بل ويحك.. أن القوة تأتى على قدر النية. وإن المسلم لا ينبغى له أن يكترث بشىء يقع فيه مع معونة الله"

و لا أدرى على التفصيل ما فعل بن الوليد ليعبر هذه المفازة القفرة إلا أنى أذكر لكم ما أورده بعض الرواة مع ما نعتقده فيه من مبالغة و خيال:

يروى الرواة بأن الدليل قال لهم "أكثروا من الماء.. من إستطاع منكم أن يصر أذن ناقته و فرسه بالماء فليفعل فإنها المهالك إلا ما دفع الله" ثم قال لخالد "إبغنى (أى إحضر لى) عشرين جزورا (جملا) عظاما سمانا مسان (أى عجائز)" فعطشهن أياما ثم رواهن و نحرهن ثم قطع بطونهم و حملوا فيها الماء.

و سواء صحت الرواية او كان فيها شىء من الخيال فالثابت أن الطريق التى سلكها خالد و قدرته على عبورها حتى لا يتأخر على أصحابه ما زالت موضع عبرة و تأمل.

و ظنى ان القصة فيها من الخيال و المبالغة الشىء الكثير لأن خالدا ما كان لينتظر أياما حتى تتعطش الإبل فيملأها ماءا و هو احوج ما يكون إلى ساعة فى يومه للحاق بأصحابه. ثم أن عشرين جملا – بلغ ما بلغ حجمهم – لا تستطيع أن تروى جيشا قوامه عشرة ألاف لخمسة أيام فلابد و أن خالدا كان له تدبيرا أخر غير هذا تجتمع فيه سرعة الحركة و وفرة الماء

و تزامن خروج بن الوليد من الحيرة إلى الشام و جيوش المسلمين تشرع فى خطة جديدة للتراجع إلى جنوب الشام إستعدادا لملاقاة الجيوش الرومانية الجرارة فى جمع واحد يقوم فى مواجهتها فلا ينفرد الروم بكل جيش على حدة.

و سير الخليفة خمسة جيوش لملاقاة الروم.. فسير يزيد ين أبى سفيان على رأس ستة ألاف إلى دمشق.. و شرحيبل بن حسنة فى ستة ألاف إلى الأردن.. و عمرو بن العاص فى سبعة ألاف إلى فلسطين.. و أبى عبيدة بن الجراح على رأس خمسة ألاف إلى الجابية و أمدهم بعكرمة بن أبى جهل فى جيش صغير ليحمى ظهور من يحتاج إلى الحماية منهم. و نعتقد بأن حكمة هذا التفريق هو تيسير المرعى و الماء أثنار السير و تشتيت جموع الروم حتى تصل الجيوش مقصدها. ثم أن الأمر لم يخلو من حيطة الخليفة المعهودة من أن يحاط الجيش كله من خلفه كما فعل الروم مع خالد بن سعيد.

من طرف shereen الأحد فبراير 01, 2009 2:58 pm

نمى إليهم بأن القيصر يستعد لهم بجيش كبير فى أنطاكية عدته مائتين و اربعين ألف و جيش أخر صغير عدته سبعين ألف جوار بيت المقدس. و لو نزلنا بعدد الجيشين إلى النصف تحسبا للمبالغة و جهالة العدد لما كان نصف هذا العدد بالشىء القليل لأنه يزيد على ثلاثة أضعاف الجيش العربى كله حتى بعد قدوم خالد إليه فلم يكن تقدير الجيش العربى بأى حال يزيد فى مجموعه على خمسين ألفا بحسب كل الرواة.

و من المتعذر جدا التدقيق فى تواريخ معارك الروم من حيث ترتيب الوقائع إلا أن الراجح عندى أنهم بدأوا بملاقاة الجيش الصغير فى أجنادين قبل اليروموك لأن البدء بأصغر القوتين و إخلاء الجنوب أولى من ملاقاة الجيش الأكبر و ترك الأصغر فى ظهورهم.. و على أى حال هزم الروم فى أجنادين و لم يشترك فيها كل الجيش العربى ثم كانت الوقعة الفاصلة هى اليرموك

كان فى جيش العرب أصون بنات البيوتات العربية القرشية: بنت أبى بكر و أم معاوية و زوج عكرمة بن أبى جهل و زوجات أناس من الجند و القادة و قد أمرهن أبو عبيدة بأن يمسكن بأعمدة الخيام و يضربن فى وجه من يرتد من المسلمين.. أما خالد فقال لهن "يا نساء المسلمين أيما رجل أقبل عليكن منهزما فأقتلنه".. من أجل هذا لا نعجب أن يكون القيصر قد حزم أمره و قال لأعوانه "لأن تستسلموا إليهم و تدفعوا لهم نصف ما تخرج الشام أحسن من يغلبوكم على الشام كله و يشاركوكم فى جبال الروم" فأبى اعوانه و إستضعفوه

لم يخف أثر المعركة على أحد فهزيمة الروم تعنى مصير الدولة الرومانية و تنزع من يدها الأماكن المقدسة و ما يعقب ذلك من ضياع الشام و مصر و القلاقل التى تنتظر القيصر فى موطنه. و هزيمة الجيش العربى تعنى هزيمة الجيش الأكبر الذى لا وقت لتجريد غيره و قد يغرى ذلك الرومان بد*************** الصحراء و إقتحام البادية و تأليب القبائل العربية الموالية لهم على المسلمين.. فإستعد الفريقان غاية الوسع من الإستعداد و أرتضى كلاهما اليرموك للوقعة الفاصلة

ظل الجيشان متلاقيان لا يشتبكان كلاهما ينظر كيف يبدأ الأخر.. و ظلا هكذا أشهرا

ثم كثرت الحركة أياما فى جيش الروم فعلم القادة المسلمون نيه الروم فى الهجوم فجمعهم خالد بن الوليد و قال لهم "إن الذى أنتم فيه اليوم أشد علينا مما غشى المسلمون جميعا و أنفع للمشركين من المدد.. و لقد علمت أن الدنيا فرقت بيننا و بينهم فالله الله.. أن تأمير بعضكم لا ينقصكم عند الله و لا عند خليفة رسول الله.. هلموا.. فإن هؤلاء قد تهيأوا لكم و هذا يوم له ما بعده.. أن رددناهم اليوم ما زلنا نردهم إلى خندقهم و أن هزمونا فلن نفلح بعدها.. فلنتعاور (نتبادل) الإمارة فيكن بعضنا اليوم و بعضنا الغد حتى نتأمر كلنا و دعونى إليكم اليوم"

فأسندوا إليه أمارة أول يوم بينهم و بين الروم وكانت هذه أول خطوة ناحية النصر و هى إتحاد الجيوش العربية. ثم أشتبك المسلمون مع الروم على نحو لا أعرف تفصيله على التحقيق و لكنه بدأ كما تعودنا بهجمة حيوانية شعواء من جانب العدو يتزعزع لها العدد الصغير امام العدد الكبير ثم تكون الكرة الثانية لحمية العقيدة و مراجعة الإيمان و الإحتماء بالفداء. فإنكشف المسلمون فى أول المعركة ثم ثابوا إلى عزائمهم بنخوة الإيمان و نخوة العرض و صاح عكرمة بن أبى جهل "قاتلت رسول الله فى كل موضع و أفر اليوم؟ من يبايع على الموت؟" فبايعه اربعمائة فارس و إقتحوا خطوط الروم و ما زالوا يقتحمون و يسلكون طريقا لسائر الجيش حتى قتل عكرمة و إبنه و معظم الأربعمائة فارس و لم ينج منهم إلا جريح مثخن بالجراح. و نزع بن الوليد قلنسوته "الخوزة" و رمى درعه و ترجل عن فرسه و شق الخطوط غير عابىء بالموت ينادى فى جنده "يا أصحاب رسول الله" فتجمع من حوله الجند يضربون غير عابئين بما يصيبهم و أشتد الموقف على الروم ففتحوا الطريق لإبن الوليد مرغمين فأرسل جماعات صغيرة تضرب فى أطراف الصفوف فعزم الروم إلى خيلهم لتعدو على مشاة المسلمين فإستدار خالد و من معه ليفسح لخيل الروم حتى تدخل الى صفوف جيشه ثم إستدار مرة أخرى بعد أن مرت الخيل فحصرت الخيل فى فرقتين من جيش المسلمين فهجموا على من فيها و ضربوا وجوه الخيل قتضايقت و هربت إلى صفوف الروم تدوس مشاتهم فإنقلبت حيلة الروم عليهم.. و تقهقر الروم

و قيل أن قتلى الروم بلغت ثمانين ألفا

و حق لهرقل و قد حبطت محاولاته جميعا بعد اليرموك أن يودع الشام إلى عاصمة ملكه المتصدع وداعا كما قال "ليس بعده لقاء"

من طرف **نسيم البحر** الخميس فبراير 05, 2009 6:24 am

شكرا علي المعلومات التاريخية الجميلة

الأحد	الإثنين	الثلاثاء	الأربعاء	الخميس	الجمعة	السبت
			1	2	3	4
5	6	7	8	9	10	11
12	13	14	15	16	17	18
19	20	21	22	23	24	25
26	27	28	29	30	31

نهاية الروم

نهاية الروم

رد: نهاية الروم

رد: نهاية الروم

رد: نهاية الروم